عبدالواحد نور يستدعى اسرائيل لدارفور

يوسف الشريف

أخيرا كشف عبدالواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان عن وجهه وتوجهاته السياسية السافرة،‮ ‬فقد ظل علي مدي الثلاثة أعوام يرفض الامتثال لكل الدعوات والوساطات والمؤتمرات التي سعت إلي الجمع بين مختلف حركات التمرد في دارفور للاتفاق حول صيغة أو مشروع سياسي لحل مشكلة هذا الإقليم المنكوب،‮ ‬عبر شروطه التعجيزية الرامية إلي نشر القوات الدولية في دارفور أولا،‮ ‬والمطالبة بدفع حكومة السودان تعويضات مالية باهظة للأهالي ولحركة تحرير السودان التي يتزعمها،‮ ‬وعلي ما تبدو الشواهد أن تشدده وانفراده بموقف سياسي مختلف عن‮ ‬غيره من زعامات التمرد قد أكسبه شعبية محققة خاصة في أوساط النازحين ومعسكرات اللاجئين الذين روعتهم مآسي الاقتتال والدمار والمجاعات في دارفور

بل إن فرنسا التي لجأ إليها نور ويدير من باريس صراعه السياسي مع الحكومة السودانية عجزت أو تقاعست عن طرده أو مجرد اقناعه بالحوار والمشاركة في جهود السلام‮!‬
ولعل الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي لم يتجاوز الحقيقة حين قام بزيارة السودان منتصف العام الماضي وتفقد مع مجموعة الحكماء الدوليين الأوضاع في درافور،‮ ‬وأكد أن ممارسة بعض القوي الدولية للدعم والتدليل الذي تحظي به حركات التمرد في الإقليم قد أدي إلي تشددها وإلي انقسامها وإعلان استقلاليتها طمعا‮ ‬في الدعم والتدليل،‮ ‬دون أن يتورط صراحة في توجيه الاتهامات لها بالعمالة وممارسة التمرد بالوكالة،‮ ‬خاصة أن عدد حركات التمرد في دارفور كان لا يتجاوز خمس فصائل،‮ ‬وإذا بها اليوم تتجاوز العشر فصائل تباعا‮!‬
لا يعني ذلك أن معظمها متهم بالعمالة ويقاتل بالوكالة،‮ ‬وذلك أن هناك أسبابا‮ ‬ودوافع موضوعية للتمرد في دارفور،‮ ‬في مقدمتها تهميش الدولة للإقليم من خدمات الرعاية الصحية والتعليمية والإدارية والمواصلات وحتي مياه الشرب،‮ ‬إضافة إلي ازدواجية معايير تعامل الدولة بين القبائل الموالية وغيرها،‮ ‬والتي أفرزت ما يسمي ميليشيا‮ '‬الجنجويد‮'‬،‮ ‬ونحسب أن حكومة الانقاذ أو حكومة حزب المؤتمر الوطني قد ارتكبت خطأ سياسيا‮ ‬في تعاملها مع مطالب الإقليم قبل أن تتحول إلي تمرد مسلح،‮ ‬حين اعتبرت رموزه الوطنية والقبلية من الخارجين عن القانون كما عصابات‮ '‬الشفتة‮' ‬و'الهمبتا‮' ‬التي تمارس القتل والاختطاف والسرقة وقطع الطرق،‮ ‬وحتي اضطرت الحكومة السودانية الاعتراف اخيرا‮ ‬بالمتمردين والجلوس معهم حول مائدة المفاوضات‮.‬
والشاهد أن دارفور ظلت معروفة في تاريخ السودان بالتدين وانتشار‮ '‬خلاوي‮' ‬قراءة وحفظ القرآن الكريم،‮ ‬وكان لها في الأزهر الشريف كما‮ '‬سنار‮' ‬رواق خاص لمبعوثيها،‮ ‬بل وكانت أهم المعاقل السياسية للجبهة القومية الإسلامية قبيل انشقاقها إلي جناحي الدكتور حسن الترابي والرئيس عمر البشير،‮ ‬بالتوازي مع بعض النفوذ الإسلامي والسياسي لطائقة الأنصار وحزب الأمة،‮ ‬وبينما كان فض الاشتباك وحل الخلافات بين القبائل العربية الرعوية وبين القبائل ذات الأصول الأفريقية التي تحترف الزراعة عبر ما كان يسمي بأعراف وتقاليد‮ '‬الأجاويد‮' ‬عندما كان تسليح القبائل لا يتعدي السيوف والرماح،‮ ‬إلا أن تمدد العمليات العسكرية للحركة الشعبية بزعامة جون جارنج دعا الصادق المهدي رئيس الوزراء فترة عهده‮ (٦٨٩١ - ٩٨٩١) ‬إلي توزيع السلاح علي القبائل بدعوي الدفاع عن نفسها ضد جارنج،‮ ‬مما أدي إلي امتشاق حركات التمرد للسلاح الحديث‮ ‬والتالي خاصة بعد أن أصبح تهريبه متاحا‮ ‬إلي دارفور عبر ليبيا وتشاد‮.. ‬وأخيرا عبر الدعم الأمريكي والأوربي،‮ ‬بل و'إسرائيل‮' ‬ايضا،‮ ‬وذلك ما يرجحه المراقبون،‮ ‬بعدما أصبح لحركة تحرير السودان التي يتزعمها عبدالواحد نور مكتب اتصالات في‮ '‬إسرائيل‮' ‬،‮ ‬ورغم الادعاء بأن أنصاره من أبناء دارفور الذين سبق وتسللوا عبر سيناء أو جنوب لبنان إلي‮ '‬إسرائيل‮' ‬وهم السبب وراء افتتاح هذا المكتب المشبوه،‮ ‬إلا أن سكوته عن إعلان رفضه وتبرئته من هذا الإجراء الشائن يؤكد بما لا يدع مجالا‮ ‬للشك عن تورطه بالنظر إلي مواقفه السابقة،‮ ‬سواء عبر تقاعسه عن المشاركة في مساعي السلام،‮ ‬ومطالبته بالتدخل الاجنبي السافر في دارفور أولا عبر نشر القوات الدولية،‮ ‬والأدهي والأمر أن يهون بعض الكتاب السياسيين السودانيين من موقف نور بدعوي ان الرئيس جعفر نميري سمح في عهده بتهريب اليهود الفلاشا إلي اسرائيل عبر أراضي وأجواء السودان،‮ ‬كما أن الذين تورطوا في عملية تهريب الفلاشا من السودانيين واتهموا بالخيانة العظمي باتوا اليوم من كبار المسئولين في جهاز الأمن وفي أرفع مناصب الدولة وبينهم مندوب السودان في الأمم المتحدة‮.. ‬وعلينا إذن أن نتوقع من الآن فصاعدا‮ ‬استفحال الوجود الإسرائيلي في دارفور،‮ ‬والتهديد الصارخ والمباشر للأمن القومي للسودان ومصر معا‮!‬