Admin مدير عام المنتدى
عدد الرسائل : 3534 نقاط : 6295 تاريخ التسجيل : 11/01/2008
| موضوع: جريمة غزة.. والسلام الفاسد! الخميس يناير 01, 2009 11:17 am | |
| بقلم: مرسـي عطـاالله | ليس انسياقا وراء أجواء التشاؤم ورياح وعواصف الغضب, التي تسود العالم العربي من جراء تلك الفجاجة والوحشية التي تمارسها إسرائيل بفجور منذ بدء عدوانها علي غزة يوم السبت الماضي أن أقول إن من خداع النفس أن يتصور أحد أن هناك أي بصيص من الأمل في استعادة الأمة العربية ثقتها في بناء سلام حقيقي مع الدولة العبرية, التي تجاوزت في عدوانها البربري علي غزة كل الخطوط الحمراء, ونسفت بصواريخها الطائرة أي مبررات مزعومة عن حق مزعوم للدفاع عن النفس بمثل هذا الافراط في استخدام القوة! | والحقيقة, أن الذي أقول به يندرج تحت القراءة الدقيقة والأمينة والموضوعية لما يجري أمام أعيننا ـ مفزعا ومرعبا ومستفزا ـ ولا يترك لأحد أي مجال للاعتقاد في صحة القبول الإسرائيلي للسلام إلا إذا كان سلاما يضمن لإسرائيل حق أن ترتب الأوضاع الداخلية لدول الجوار حسب رؤيتها ووفق حساباتها.
ومن هنا, فإن القضية بعيدا عن نسمات التفاؤل أو أعاصير التشاؤم, ليست قضية انهاء أو تجديد التهدئة بين إسرائيل وحماس, لأن هذه كلها توابع وتداعيات لاستمرار الاحتلال, وغياب الأمل عند شعب جري اقتلاعه من78% من أرضه التاريخية, ثم تبع ذلك احتلال كل ما تبقي له في الضفة والقطاع, وتمارس ضده منذ60 عاما أبشع صنوف الإذلال والإهانة والقهر والحصار والتجويع!
وأيضا فإن القضية ليست رهنا بجهود دبلوماسية ومبادرات سياسية وقرارات دولية من نوع صيغة أنابوليس والقرار الأخير لمجلس الأمن الدولي فقط, وإنما القضية رهن بتوفير شرطين أساسيين بدونهما يستحيل الحديث عن امكان استعادة المصداقية عند شعوب المنطقة لتجديد الرهان علي عملية السلام.. وهذان الشرطان هما:
ان تقبل إسرائيل صراحة ودون أدني مواربة بمبدأ الانسحاب من جميع الأراضي العربية التي جري احتلالها في يونيو1967, بما في ذلك القدس وأن تعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة مع الاقرار بحق اللاجئين في العودة أو التعويض طبقا لمقررات الشرعية الدولية.
أن تبادر إسرائيل لاثبات حسن نياتها بالانسحاب من كافة الأراضي التي احتلتها في يونيو1967, وأن تتوقف نهائيا عن جميع الأنشطة الاستيطانية التي تشكل استفزازا وتحديا سافرا لاتقل خطورته وتداعياته عن خطورة الاعتداءات المسلحة وإجراءات الحصار الخانقة علي المدن والقري الفلسطينية, وأن تتوقف أيضا عن بناء الجدار العنصري الفاصل.
فهل بمقدور أحد ـ مهما يبلغ حجم تفاؤله ـ أن يغامر بالرهان علي امكان قبول إسرائيل هذين الشرطين لكي يمكن تجديد الرهان علي عملية السلام مرة أخري بينما مرجعية الفكر الحاكم في إسرائيل مازالت هي مرجعية القوة المفرطة والمجاهرة بامتلاك القدرة علي فرض المشيئة.
إن كل ما يصدر ـ سرا وعلانية ـ عن إسرائيل ـ وبمباركة أمريكية وصمت دولي ـ يؤكد أن مفتاح الرؤية الإسرائيلية هو الترتيبات الأمنية حسب الاشتراطات والمواصفات الإسرائيلية ودون النظر إلي الحقوق المتكافئة في الأمن والسيادة والاستقلال للفلسطينيين أصحاب الأرض.
وعلي سبيل المثال فإنني أتساءل ـ وبكل حسن النية ـ عما إذا كان هناك في التاريخ بناء للسلام يتضمن حق الطرف الأول في امتلاك كل مقومات السيادة والأمن وحرمان الطرف الثاني من حق إمتلاك أي شيء يعكس واقع الحرية والسيادة والاستقلال.
إن مثل هذه الشروط لم يسمع بها أحد في أي بناء للسلام وإنما تجئ هذه الشروط فقط في وثائق الاستسلام التي تضطر الدولة المهزومة إلي التوقيع عليها والقبول ببنودها.. ولم يقل أحد عند بدء دوران عجلة السلام علي المسار الفلسطيني قبل17 عاما وبالتحديد في أكتوبر1991 إن الأمر يتعلق بوثيقة استسلام بين منتصر ومهزوم وإنما قيل علي الملأ إن الجميع سيتجهون إلي طاولة المفاوضات في مؤتمر مدريد علي أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وفي إطار مقررات الشرعية الدولية, وبالذات قراري مجلس الأمن رقمي242 لعام1967 و338 لعام1973. .. ثم أي دولة تلك التي يراد لها أن تكون بغير سيادة علي أراضيها ولا يكون من حقها أن تملك أدوات وآليات تفعيل هذه السيادة علي أرض الواقع؟!
نعم أي دولة تلك التي ليس من حقها اقامة جيش وطني نظامي أو تطبيق نظام للخدمة الإلزامية أو امتلاك سلاح جوي وأن تكون سماؤها تحت رقابة دولة أخري هي التي تملك حق التسلح وبناء الجيوش والترسانات والتحليق وحدها بحرية في السماء وامتلاك حق الرقابة علي الغير؟!
وحتي لو سلمنا ـ افتراضا ـ بامكان القبول العربي والفلسطيني بمثل هذه الشروط المجحفة التي تتناقض وروح السلام وتعكس الرغبة في فرض واقع من الاستسلام فإن ذلك القبول يمكن فهمه لمدة زمنية محددة تحت مسمي فترة انتقالية أو مسمي فترة اختبار نيات.. ولكن أن يكون مطلوبا إبرام اتفاق سلام أبدي بمثل هذه الشروط فربما يكون الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال أفضل وأشرف من ذلك بكثير لأن الاحتلال يمثل عدوانا لا يقبل به أحد أما مثل هذا النوع من السلام الفاسد فإنه خنوع وذل ومهانة وافتئات علي حقوق أجيال مقبلة.
وإذا انتقلنا إلي بقية الشروط التي تطلبها إسرائيل كثمن للسلام الفاسد فإننا نلحظ عجبا قد يصل إلي حد الاستهبال.. فمن الذي يقول إن الدولة الفلسطينية لكي تقوم يجب أن تضمن من مواردها المحدودة توفير مايوازي60% من استهلاك إسرائيل من المياه وأنه لضمان وصول هذه الامدادات فإن الأمر قد يحتاج إلي تعديلات حدودية جديدة تضاف إلي جملة ماتم اقتطاعه من الأرض الفلسطينية وما يري الجيش الإسرائيلي ضرورة اقتطاعه مستقبلا بحجة الدواعي والاعتبارات الأمنية.
هل المطلوب باسم المرونة والعقلانية أن يقبل الفلسطينيون ـ طوعا أو إرغاما ـ أن يقتسم الإسرائيليون معهم أرض67 بما عليها من موارد مائية حتي لو كانت منابع هذه المياه وأحواضها الجوفية سوف تبقي داخل المناطق الفلسطينية.. هل هو نوع من الكرم الإسرائيلي الجديد لأنهم لم يبتلعوا كامل الأرض التي احتلوها عام67 بمثل ما فعلوا عام1948.. ربما يكون ذلك الوهم يعكس جوهر الشعور الإسرائيلي الذي لا يفرز سلاما حقيقيا وإنما يفرز سلاما فاسدا.
وحتي ما يتعلق بمستقبل ومصير المستوطنات التي تمت زراعتها في الأرض الفلسطينية, فإن الفكر الإسرائيلي تجاه عملية السلام لا يقبل بتفكيك وإزالة المستوطنات وإنما فقط بإمكان بقاء بعض هذه المستوطنات ذات الكثافة العددية المحدودة تحت سلطة الدولة الفلسطينية وفي ظل قوانينها مثلما هو الحال بالنسبة لعرب إسرائيل الذين يعيشون في الدولة العبرية تحت سلطة إسرائيل وقوانينها أما المستوطنات ذات الكثافة السكانية العالية فإنه من المستحيل إزالتها أو تفكيكها أو حتي الابقاء عليها كما هي وأن الأمر الواقع يفرض اخراج هذه المستوطنات من دائرة أي مفاوضات وأن يتم ضمها تلقائيا لإسرائيل بعد إجراء التعديلات الحدودية اللازمة.
هل رأي أحدا خطابا سياسيا تفوح منه رائحة التجبر والاستهانة بالشرعية الدولية ومقرراتها التي تؤكد عدم جواز احتلال الأرض بالقوة.. بمثل ما يبدو ويتضح من بنود هذا الخطاب السياسي الإسرائيلي؟! .. وهل رأي أحدا من قبل مقارنة فجة بمثل من يقارن عرب إسرائيل الذين تشبثوا بأرضهم ورفضوا النزوح في نكبة عام1948 بالمستوطنين الذين اغتصبوا أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بعد نكسة يونيو1967 ؟
بل إن الأهم والأخطر من ذلك كله أن الأمر لا يقتصر علي السيادة المنقوصة والمياه المنهوبة والمستوطنات المزروعة وإنما مازال هناك اصرار إسرائيلي علي إعلان فلسطيني صريح بتصفية القضية الفلسطينية من جذورها وإعلان التخلي عن فكرة مطالبة إسرائيل باستيعاب اللاجئين الذين نزحوا من فلسطين عام1948 وإعلان وفاة حق العودة. *** وإذن ماذا ؟ إن ما لا تريد إسرائيل فهمه أن القضية الفلسطينية تختلف اختلافا جذريا عن توصيفات الحلول التي تمت أو ستتم علي بقية المسارات الأخري والتي تنحصر في نتائج حرب يونيو عام1967 في حين أن المسار الفلسطيني بدأت مشكلته منذ مائة عام مع ظهور المشروع الصهيوني ثم بلغت المشكلة ذروتها في نكبة عام1948 وكانت الطامة الكبري بعد ذلك في نكسة يونيو1967 عندما ضاع آخر شبر من الأرض الفلسطينية.
إن أصوات العقل والحكمة في المجتمع الدولي ـ ونحن من بينها ـ نحلم بدولتين لشعبين بعد انسحاب إسرائيل إلي حدود الرابع من يونيو1967 في الوقت الذي تجاهر فيه إسرائيل بالرفض ـ قولا وعملا ـ وتعتبر أن ذلك شيء مستحيل وتدعي بأحقيتها في مواصلة احتلال أجزاء كبيرة من الضفة الغربية واستمرار عمليات الاستيطان فيها والاصرار علي مواصلة بناء جدار فصل عنصري يؤدي لرسم حدود جديدة تلبي أهداف ومقاصد إسرائيل التوسعية وتجعل من حلم الدولة الفلسطينية سرابا مستحيلا!
ولكن ما جري في غزة منذ يوم السبت الماضي يشطب تماما أية توقعات كان يجري الترويج حول امكانية حدوث معجزة تدفع بإسرائيل نحو المرونة والعقلانية بحيث تقبل بالعودة لحدود4 يونيو1967 واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة خصوصا مع نمو تيارات شبه عقلانية وشبه معتدلة في منطقة صناعة القرار الإسرائيلي تحبذ ذلك لتجنيب الدولة اليهودية خطر تعرضها للتهديد من ثنائية القومية.. ويفتح باب الأمل نحو امكانية الوصول إلي شاطئ الحل النهائي الذي سوف يزيل أسباب الصراع في المنطقة.
إن مثل هذه المعجزة التي كان يجري الترويج لها قبل عدوان غزة ـ ولاتوجد مؤشرات قوية اليوم علي إمكان حدوثها ـ كانت تعني قبول إسرائيل لتفكيك المستوطنات من الضفة الغربية ومحيط القدس والبحث عن مكان بديل لهؤلاء المستوطنين.. والبديل سيكون بالطبع داخل الخط الأخضر في حدود إسرائيل القائمة حتي4 يونيو1967.
ولعل من الضروري أن ندرك أن معظم القضايا المطروحة علي أجندة الحل النهائي مرتبطة بشكل أو بآخر بمصالح حيوية واستراتيجية مهمة للأمة العربية وأمنها القومي ومن ثم من الخطأ والخطر معا أن يترك الطرف الفلسطيني وحده للتفاوض دون أن يكون هناك سقف تفاوضي عربي يراعي هذه المصالح الحيوية والاستراتيجية...
وفي مقدمة القضايا والملفات الحيوية والاستراتيجية يوجد ملف القدس الذي يهم المصالح العربية والإسلامية والمسيحية... ثم هناك ملف اللاجئين الذي يتعلق بمصير أكثر من أربعة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين في دول المهجر العربية وغير العربية.. وهناك ملف المياه ولعله أعقد وأهم هذه الملفات في ضوء معطياته الجغرافية التي تتداخل منابعها ومصباتها في كل دول الجوار العربية. *** وأصل إلي قرب الختام في حديث شائك وحساس وأقول بكل الصدق والوضوح أنه بعيدا عن تعقيدات القضية الفلسطينية ومساحة وحجم المساومات التفاوضية المتصاعدة في ظل منهج الابتزاز التفاوضي المعروف عن إسرائيل تحت غطاء الاستخدام المفرط للقوة علي الأرض بفضل الحماية السياسية التي توفرها أمريكا فإن تطورات وملامح المشهد الراهن في الشرق الأوسط تفرض علينا سؤالا ضروريا لم يعد ممكنا تجاهله
وهو: هل يمكن أن يكون هناك بالفعل سلام في الشرق الأوسط في ظل استمرار احتكار طرف واحد للسلاح النووي في المنطقة خصوصا بعد أن كشف هذا الطرف عن عدم وجود سقف لحدود استخدامه للقوة في مختلف مراحل الصراع وتحديدا في عدوان غزة الأخير؟
إن الاجابة عن مثل هذا السؤال قد تغني عن اللهاث وراء حلم حدوث تغيير في السياسة الإسرائيلية بعد أن تتوقف مجزرة العدوان في غزة يمكن أن يساعد علي تجديد الأمل في عودة الحياة لعملية السلام مرة أخري.
ان الخطر يبقي قائما وماثلا حتي لو تصورنا ـ بالوهم ـ ان إسرائيل يمكن أن تعود للصواب وأن تنفذ كل مقررات الشرعية الدولية والاتفاقيات المبرمة.. والسبب أن السلام يحتاج إلي تكافؤ القوي ولا يتحقق اطلاقا في ظل الهيمنة والاحتكار والتفرد بامكانية ردع الآخرين.
وليس ممكنا أن يقوم سلام حقيقي في أي مكان في العالم في غيبة من تكافؤ القوي.. فما بالنا إذا كان يراد للمنطقة أن تبقي تحت رحمة لحظة مجنونة قد يقوم فيها رجل مجنون تحت ظروف يائسة محبطة أو بناء علي أي حسابات وتقديرات خاطئة بالدوس علي زر الخطر النووي؟!
بوضوح شديد أقول: إن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط لن تقوم له قائمة إلا بإخلاء المنطقة من كل أسلحة الدمار الشامل.. وماعدا ذلك هو وهم وسراب وضحك علي الذقون!
ويخطئ كثيرا أولئك الذين يتوهمون أن بامكانهم أن يضمنوا ـ إلي مالانهاية ـ أن تبقي إسرائيل وحدها هي المحتكر الوحيد للسلاح النووي.
ونحن لا نقول ذلك من باب التخمين.. أو من أرضية ادعاء المعرفة.. وإنما نقول ذلك استنادا إلي أن ماهو قائم الآن أمر استثنائي وشاذ وضد طبيعة الأشياء.. والحياة لاتدوم مع الاستثناء أو مع مايتم بناؤه ضد طبيعة الأشياء.
إن هناك تقارير دولية عديدة تؤكد أن إسرائيل طورت المئات من الرؤوس النيوترونية محدودة الانتشار وانتجتها علي شكل قذائف مدفعية وألغام أرضية فضلا عن عدد كبير من القنابل الهيدروجينية.
والخلاصة أن السلام يظل بعيدا وبعيدا جدا عن ربوع الشرق الأوسط, لأنه لا سلام مع الخيار النووي الذي بحوزة طرف واحد هو إسرائيل التي لم تدع لأحد أي مجال للشك في أنها مستعدة لأن تذهب في استخدامها للسلاح إلي أقصي مدي ودون مرعاة لأي اعتبارات سياسية أو قانونية أو إنسانية!
| | |
| |
|